mercredi 31 août 2011

بروس لي

  




اليوم وأنا وسط المدينة أبحث بين السائرين عن الوجوه التي أعرفها قبل سفري، لم أصدق عندما نظرت في عيني الهودج الأدمي الهائل الذي رأيته أمامي ووراءه هيكل إمرأة قاتم يتبعه، هودج ضخم بجلباب قصير وذقن هائل أشعث وجسد سمين ٠٠كدت أصرخ ٠٠ بروس ليّ !
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
٠٠ كان يحيّي أو بروس ليّ رغم سنواته الخمسة عشر عملاقاً نخشاه كلنا، يضحك ويلقي النكات، ويحرك جسمه وأطرافه بشكل دائم، ليطول زملائه بيديه أو أقدامه يداعبهم، وبين الحصص أوفي الفسحة كان يعيد علينا ماتعلمه بالأمس من تدريبات الكاراتيه التي بدأها في الساحة الشعبية، وكان الزي العسكري الرمادي الضيق الذي نرتديه في المدرسة، والشرز الميري الغامق فوقها، والجتر والبيادة يضيفان علي هيكله بمؤخرته الضخمة، وسيقانه الرفيعة الطويلة تحتها، شكلاً يزيدنا ضحكا ،فيردد بصوت رفيع يقلد صوت بروس ليّ٠٠الكاتا ٢٥ ٠٠ثم يقفز في الهواء، ويبدأ في تحريك يديه وقدميه وساقيه كما تعلم بطريقة هزلية، تميتنا من الضحك، ونحن من بعدها نعاود تقليده بطريقة أكثرهزلاً، وبينما هويصيح ويصرخ، يزداد صياحنا وصراخنا وتزاحمنا فنسقط علي الأرض من كثرة الضحك والدمع في أعيننا
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
بعد أن أنهينا المدرسة، وفي العام الأول كنت أراه من وقت لآخر وهو يمر بين طرقات القطارات التي تحملنا للذهاب للجامعة، ببدلته البنية الأنيقة والقميص المكوي بعناية، فنقف سوياً لتذكر أيام المدرسة والكاراتيه ونستكمل بمغامرات الجامعة والعالم الجديد الذي فتح أمامنا، ثم أختفي فجأة، وإنقطعت عني أخباره ولم أعد أراه
في نهاية سنوات الجامعة، وأنا أمر في قطار السابعة صباحاً المزدحم عن آخره ، أبحث لي عن موضع لقدم في إحدي الفراغات ، وجدته أمامي، يجلس وسط مجموعة من الناس في مربع من دكك القطار الخشبية، ضخم هائل كعادته، لكنه لدهشتي البالغة كان يرتدي جلبابا إسلاميا قصيراً غامقاً، وذقنه المشعثه تنتشرحول وجهه وتنزل حتي بطنه ، وكان بيده مصحف، وعندما باغتني وجهه، لم أصدق تماماً أنه يحيّي للوهلة الأولي، لكني بعد أن أفقت من المفاجأة صحت بضحك ومرح تلقائي٠٠بروس لي!٠٠
لكنه لم يعرني إهتماماً، وبدا وكأنه يضيق من رؤيتي، وهمهم بما يشبه السلام المقتضب، وإشاح بوجهه ليقطع الحديث، وكأنه خائف أن أواصل مداعباتي معه، فأُفسد الهالة التي تحيطه كشيخ جليل أمام المحيطين به كالمريدين من أصحابه الأصغر سنا، والمسافرين من العمال والقرويين حولنا، فلبثت أتململ ثم مضيت في طرقة القطار أبحث لي عن فراغ آخر أدخل نفسي به
٠٠٠٠٠٠٠٠٠
اليوم في وسط المدينة، عندما تلاقت عينانا، بدا عليه وكأنه لم يراني أبداً من قبل، قد يكون الزمن أوالبلاد البعيدة التي غيرت ملامح وجهي وملبسي فلم يعرفني، فحدق في بنظرة ثقيلة مبهمة غائبة ثم مضي أمامه ، يجر وراءه هذة المرأة التي تتلفع بالسواد من رأسها حتي قدميها ،فإستدرت إتابعهما بهيكله الضخم وهي تمشي في ظله وراءه ،حتي أبتعد وأختفي وسط الزحام وصدي ضحكاتنا بين الحصص وفي الفسحة يتردد في رأسي