mercredi 25 juillet 2018

الضوضاء الغير مبالية




قلت لها.. 
 " عندما كنت في مواجهته وبجانبي حقيبة السفر 
الصمت يحوطنا 
ولايصل لنا إلا الضوضاء الغير مبالية القادمة من الأدوار العليا 
التي تقاسمها أخوتي الخمسة فيما بينهم ومعهم زوجاتهم وأزواجهم وأولادهم 
وكانت هناك رائحة مطبخ تذكرني بأمي التي رحلت ..
ولاأعرف لماذا تذكرت وأنا أجري عليها في ذلك الزمن القديم بالبيضتين الدافئتين التي وجدتهما في عشة الدجاج 
وقالت وهي تضحك أنها ستقليهم لي في بعض الزبد 
وماأن جلست حتي هجم أخوتي الخمسة الصغار وتقاسمنا الأرغفة لنأكل البيضتين 
وكالعادة قمت جائعا انتظر الوجبة القادمة التي تعدها أمي ..

قلت لها.. 

" كان أبي مريضا يتكوم في كرسيه وحيدا تائها 
وأنا بعد ثلاثين عاما في مواجهته بحقائب سفري نستمع إلي ضوضاء شقق أخوتي البعيدة النائية 
وأحاول أن أروض نفسي علي فكرة أنه يوما ما سأعيش في شقة أبي القديمة كمرفأ أخير..
أحسست بمعدتي بنفس الألم وكأنه نفس إحساس الجوع المزعج للصبي الصغير مازلت أتذكره.. 
ونظرت له وكأني أستغيث بوجه أبي من هذة الفكرة 
والذي بدا وكأنه يفهم تماما مايدور في رأسي - كان يكفي دائما أن ننظر لبعضنا البعض لنفهم - 
لكنه أشاح بعينيه بعيدا.. بعيدا جدا.. 
ونحن يلفنا الصمت وهذة الضوضاء النائية المبهمة المختلطة القادمة من منور البيت " 

samedi 7 juillet 2018

النقيب أركان حرب يحيى الجعر(ان)



لايمكن..
أمامي مباشرة صورته كما إحتفظ بها في ذاكرتي.. . كان ممتلئ الوجه قليلا عما كان.. ولكنه بنفس تسريحة الشعر ناحية الخلف والجبهة العريضة وهذا الشنب الرفيع على حافة الشفة .. ونفس الملامح التي تحمل القسوة وإحتقار الآخرين في شبه إبتسامة ثابتة باردة..
مازال كما هو وتعرفت عليه فورا رغم أن النضارة الشمسية التي يلبسها قد زادت في حجمها وأصبحت تشبه التي يضعها المسئولون الرسميون في الدولة.. نضارة حكومية تخفي المسئول وعيونه عن محدثيه فلا يستطيعون الدخول في أعماقه وتبعث الرعب أيضا وربما الإعجاب في قلوب محدثيه الذين يحسدونه على ماوصل إليه.. انه نفس يحي الجعر(ان).. النقيب يحي الجعران معلم الطبوغرافيا في كلية الظباط الإحتياط والذي لم انسه ابدا في حياتي..
............
يحي الجعر(ان).. أو النقيب يحي الجعر كما كنا نسميه كتلامذة في مرحلة الإعداد في كلية فايد للضباط الإحتياط.. وكما كان يصر أحد الباتشوشية الذي كان يسامرنا في بعض الأحيان انه اسم عائلته الحقيقي.. الجعر.. وأضطر أن يغيره حفاظاً على مركزه وعلى ماء وجهه في مهنته المقدسة كضابط جيش في كل مرة ينادي فيها على إسمه..
.......
نقيب أركان حرب يحي الجعران.. هكذا كتب اسمه على السبورة البيضاء الموضوعة على حامل في حوش الكلية.. بعد الصفا والإنتباه وإسترح أكثر من مرة والتمام من الشاويش شوقي أجلسنا على الأرض.. وقدم نفسه انه معلم الطبوغرافيا..
كان شابا صغيراً نحيفا يبدو عليه رغم الزي العسكري ملامح قلة وفقر وبؤس قديمين يحاول أن يخفيهم تحت هيبة الزي والنضارة الشمسية التي كان يرتديها في كل الأماكن حتى صار معروفاً بها.. يرتديها في الشمس والظل ويرتديها في الميس والمحاضرات يرتديها من الصباح وحتى المساء.. والمرات القليلة التي صادفت أن يكون بغيرها.. عندما كان يعطي بدوره التمام في الطابور لرتبة أعلى منه...
..........
يحي الجعران اتذكره لأنه أدخلني السجن...
صحيح انه سجن كلية فايد للضباط الإحتياط.. لكنه كان سجنا.. سجن كأي سجن.. غرفة تغلق عليك ويتركونك فيها وحدك تقضي العقوبة فيها على جرمك..
والحقيقة أنني اتذكره جيداً لأنني لم أذنب في شئ ولم ارتكب أي جريمة استحق عليها السجن .. بل كنت وكما كنت طوال عمري طالبا مجتهداً ومن البداية أعددت أوراقي واقلامي الملونة لافهم واسجل ماسوف يقوله النقيب أركان حرب يحي الجعران عن الطبوغرافيا..
..........
بعد جلوسنا على الأرض كان الكل ينظر إليه ويرى ماذا سيقول وماذا سيفعل عن فضول لأن سمعته سبقته على لسان الصف ضباط انه ضابط مخبول و"محمي في البدلة" ولايتورع عن إيذاء من هم دونه في الرتبة العسكرية من الجنود والضباط على السواء.. الأسوأ في الأمر أنه وكما قال فيما بعد.. أنه كان عليه فعل ذلك.. أو أنه خطط لفعل ذلك في أول محاضرة... وأنه ترك الهرج والكلام يجتاح مجموعة الطلاب أمامه لينفذ خطته.. أن يجد أحداً يستطيع أن يسوقه لمكتب ويحكم عليه حكماً قاسيا يكون عبرة للدفعة كلها خلال وجودها فتنضبط أمامه بقية شهور وجود الدفعة في الكلية ..
ولم أكن حتى مشاركا في أي هرج.. كنت ابتسم لما يدور من حولي واستمع حتى فوجئت يشير علىّ بعد أن أوقف الجميع إنتباه.. "الإستاذ الابيضاني ابو عيون خضرة"انت متدور مكتب لعدم تنفيذ الأوامر... كما قال لي.. كان عليه أن يجد أحدا شكله إبن ناس ليمرمط به الأرض ويعاقبه عقاباً يكون عبرة للكل.. ولم افهم ساعتها مايحدث وكنت أصر على أنني لم أفعل شيئاً.. كنت صامتاً لم أشارك في الهرج.. بل أنني الوحيد الذي كنت قد أعددت أوراقي واقلامي لمتابعة مادته.. كنت أكرر ذلك ولم أكن أعتقد ابدا ان الامور يمكنها أن تصل للسجن..
ثلاثة أيام سجن سجلت في ملفي كطالب في كلية فايد لأنني لم أمتثل للأوامر .. ثلاثة أيام مسجونا رغم أنني لم أفعل شيئاً بالمرة غير أن هيئتي وشكلي كما رآها أنني أبدو " كإبن ناس ومتربي " وإذا عوقبت فذلك سوف يحميه من هرج وسخافات الآخرين.. كان يضرب المربوط ليخيف السائب على حسابي انا.. هكذا بدون اي ذنب أو أي حق سوى أنني مجند إجباريا وتواجدت بالصدفة أمامه هنا ورغم كل حسن نوواياي ناحية ماكان سيقول..
اصحابي كانوا يقولون لي انه الميري.. ولكن لم أنس ابدا طعم الظلم الذي ظل في حلقي لسنوات طويلة.. هذا الإحساس الذي يجتاحك ويجعلك حتى تبكي وتذرف الدموع على شئ لم ترتكبه وعلى شئ آخر لايمكن وصفه تضيفه لقائمة طويلة مدفونة في داخلك ..
"" هذا وقد تفقد اللواء يحيي الجعران رئيس المدينة شوارع المدينة ومحلاتها والباعة الجائلين والتراخيص، وتم ضبط عشرات المخالفين..... ".. عدة أسطر وتحتها صورة يحي الجعران بشاربه الرفيع وبنظارته الشمسية الضخمة التي تحتل نصف الجريدة.