mercredi 12 octobre 2016

أبواب من الصاج



برد الخيمة في ليل الصحراء لايحتمل
حاول أن يلف نفسه جيداً بالبطانية الميري السوداء ولكنه مازال يرتعد تحتها
أحس فجأة وهو يتقلب بأنه يجب أن يذهب لدورة المياة ..ولكنه تردد
فالخروج في هذا البرد خارج الخيمة مغامرة ليست بالهينة فإلتف حول نفسه لعله يهدأ وتذهب حاجته للخروج
ثم ماكان أن حزم أمره وقام ببيجامته الكستور ووضع الحذاء الكاوتش وخرج مرة واحدة لخارج الخيمة
كان الظلام دامسا ..
وهو لم يكن يري في الظلام إلا بصعوبة بالغة ..
فالقمر والنجوم يختفون تجت سحابة غامقة سوداء تحيل الصحراء والمعسكر إلي بقعة أكثر سوادا تلتحم بدون تفاصيل تري
أتجه ناحية دورات المياة الميدانية المصنوعة من الصاج ومرصوصة كالدواليب المعدنية علي طرف المعسكر الذي أقيم من إسبوعين في هذة المنطقة
الريح شديدة تصفر ولايسمع صوت لمخلوق .. 
الكل في المعسكر وبعد تدريبات اليوم الطويلة الشاقة  غارق في النوم في هذة الساعة وسط هذا الليل الغميق
والضوضاء التي تحدثها الجراكن الفارغة وهي تقع هنا وهناك 
وصرير قوائم الخيم التي تهتز 
وخبطات الأبواب الصاجية لدورات المياة يؤرجحها الريح ذهابا وإيابا فتحدث دوياً مزعجا 
ويوقع الرعب في هذا الفراغ المظلم من الصحراء
تقدم بسرعة في إتجاه هذة الهياكل المعدنية قاصدا أحد هذة الأبواب التي تخبط الجدران في صوت يختلط بصوت الريح العاصف
كان منكمشا داخل بيجامته من البرد ويرتعد من بين أسنانه وحتي ركبتيه
أطمأن بيده علي وجود بعض الماء في صفيحة صغيرة بعد أن لمست يده سطحه البارد
أغلق الباب وأزاح بنطلون البيجاما ونزل علي حيله وهو متململ وسط ضيق الجدران والرائحة القوية التي تنتشر في المكان 
ولم يكن في الخارج إلا صوت الريح الشديدة وضوضاء الجراكن وكراكيب المعسكر وهي تنقلب وتختلط وتنتقل من مكانها
وظل علي حاله حتي إنتبه علي أقدام ثقيلة تقترب من بعيد
يبدو أن أحدهم قد تقلق نومه وأحس بنفس الحاجة هو الآخر وغادر خيمته
وأخذت الخطوات تدنو أكثر ناحية الأبواب الصاجية
وماكان منه إلا أن سعل ليسمع بصوته أن أحدا هنا
فما كان من القادم إلا أن دخل الباب المجاور له ببعض الهمهات 
وصوت الجدران المعدنية التي تئز تحت وزنه وهو يتحرك داخل الفراغ الصغير
ثم ساد الهدوء
هدوء طويل متصل وكأن من دخل بجواره قد غفي فجأة أو لم يعد له وجود
ومع الهدوء الزائد المقلق بجانبه أحس بالخوف يملأه 
فتنبهت كل حواسه وبدأ يتصنت بإذنيه إن كان هناك أحدا بالفعل بجواره خلف هذا الجدار الصاجي
ولم يكن هناك إلا الصمت وصوت الريح
كان يريد أن يجهر بصوت عال بالسؤال.. من هناك.. ولكنه لم يفعل
وأحس بالرعب يشمله من كتفيه وصدره وينسحب حتي أقدامه ويصيبه بشلل متصلب بارد
وبدأ عقله يعيد كل هذة القصص التي يحكونها عن عودة من ماتوا في الحروب المتكررة 
ويتندر بها رعاة الغنم من عرب المنطقة
وأحس أنه لم يعد يرغب في قضاء حاجته فقام علي حيله ورفع بنطلونه وخرج بسرعة
ولم يكن متأكدا أن كان قد رأي بجانب عينيه الباب الصاجي المجاور مفتوحا
وبدأ يهرول دون أن ينظر وراءه حتي دخل خيمته
دون أن يفهم ماذا حدث . كان يحس بالخوف والبرد فدخل في سريره
وبقي للحظات يعيد ماحدث في رأسه 
ولم يعد واثقا إن كان ماقد مر به هو حقيقة عاشها 
أم تهويمات وخيالات لنصف نائم يرتعد من البرد وسط الظلام الدامس في ليل هذة الصحراء
وفي النهاية لم يجد تفسيرا مقنعا
فضم ساقيه وكور جسده 
وحرص علي شد الغطاء علي رأسه ليخفي نفسه تماماً تحت البطانية السوداء

mercredi 21 septembre 2016

زوج صاحبة المخبز المغربي






زوج صاحبة المخبز المغربي. رأيته اليوم... مرضه إزداد للغاية ويتنقل بصعوبة بالغة وحده وهو يلتقط أنفاسه رغم البطء الشديد.. وجهه شاحب ونظارته أصبحت ضخمة علي وجهه النحيف... رأيته علي بعد ومن الناحية الأخري من الطريق... فعبرت حارات الطريق لأصل إليه... وككل مرة أراه في الشهور الأخيرة.. سلمت عليه وسألته عن أحواله وأذا كان لاباس عليه.. فيشكرني وهو يربت بيده علي صدره ويربت أيضاً علي ذراعي بود وهو يحمد الله.. وعندما هممت بتركه تذكرته قبل سنوات وهو واقف بجوار زوجته يرص الخبز ثم يعاود النزول لدور سفلي حيث يصنع كل هذا الخبز كل فجر وحتي ساعات طويلة من النهار وكان دائماً يضحك مع الزبائن ويأتي ليسلم باليد علي جاره المصري كما كان يسميني... خمسة عشر عاما مروا وإنتقلت لشارع أبعد ولكني كنت أمر لآخذ الباجيت من عند زوجته الطيبة التي تقف طول اليوم خلف الكونتوار. ورأيته يمرض رويداً رويداً وبدأت أراه يسير في الشارع ليخفف عن نفسه... وكنت دائماً أتعمد أن أذهب ناحيته لأصافح يده..واليوم رأيته علي هذة الحالة المتأخرة... وقبل أن أمضي.. هنأته بالعيد كما كنت أفعل دائما.. فعاد يهمهم بود بالغ برد التحية ويربت علي صدره ثم مضي ببطء في طريقه وسرت أنا الآخر في طريقي

mardi 16 février 2016

‏حكاية عادية





بالأمس حكت لي إمرأة ـ لا أعرفها بالمرة ـ 
علي مقاعد محطة القطار 
بنبرة وهدوء الحكايات العادية 
ـ وكأنها تواصل كلامنا العابر كمسافرين غرباء عن حالة الطقس ـ 
أن زوجها قد مات منذ سبعة أيام بسبب المرض اللعين 
وأنهم عاشوا معا أربعين عاماً 
وربوا ستة أولاد رحلوا الآن جميعهم لبيوتهم 
وأن الكلبين والثلاثة قطط قد ماتوا أيضاً الواحد بعد الآخر 
وأنها أصبحت وحيدة في البيت 
ولذا ستذهب للجنوب 
حيث واحدة من بناتها وبعض الشمس 
ثم سكتت قليلا وقالت 
أنها نثرت رماد زوجها في الشمال 
علي هذا الشاطئ حيث كانوا يقضون الصيف من أربعين سنة 
كان صوتها مازال يتكلم بنبرة الحكايات العادية 
ثم عدنا ـ وكأنها لم تحك أي شئ ـ
نكمل حديثنا عن الطقس 
خاصة العاصف في الشمال والبحر الثائر العالي 
بعدها قامت لتلحق بقطارها 
وأنا أتمني لهارحلة سعيدة 
وأراقبها وهي تبتعد 
وأتخيلها بنفس الهدوء وهي تنثر الرماد 
في البحر الهائج والريح العاصفة