lundi 28 mai 2018

أتوبيس الضواحي



عندما تحرك الأتوبيس من أمام باركنج السوبر مارشيه كان خالياً تقريباً 
ولذا اخترت الكرسي العريض المريح خلف السائق لكي استريح عليه وأضع الأكياس التي أحملها في الكرسي المقابل.. 
كانت كراسي العجائز والمرضى وكنت اقول لنفسي ضاحكاً دائماً أن شعري الذي أنتشر البياض فيه يسمح لي بذلك وأن كنت اعرف أنني لن استطيع ان اكذب عندما يصعد رجل عجوز أو مريض وأنني سأخلي له مكاني لكن إغراء الكرسي العريض المريح كان أكبر ويجعلني أقبل المجازفة ولم اذهب للكراسي العادية الخالية في الخلف. 

في المحطة التالية وكانت من الناحية الأخرى للباركنج وفي المنطقة الآهلة بالسكان صعد كثير من الركاب.. 
وعندما رأيت الرجل ذو الملامح الصينية العجوز يصعد ويقترب مني قمت من مكاني لأترك له الكرسي المريح وجلست في الكرسي الصغير المواجه له بعد أن وضعت أكياسي على الأرضية بجانبي..
كان العجوز الصيني القصير ممتلأً قليلاً ويرتدي شورت وجاكت ضخم تحته تي شيرت ملتصق بكرشه الصغير وكان يبتسم لي وهو يشكرني على إخلاء المكان له 
إبتسمت له ولاحظت أن حقيبة التسوق التي كان يجرها وتمتلأ عن آخرها يضع ثلاثة أعلام فوقها الفرنسي وعلم أحمر بنجمة كان منطقياً لي انه علم الصين ولكن العلم الثالث لم أعرف لمن فسألته عنه.. قال لي.. 
هذا علم كمبوديا اما العلم الصيني الأحمر ذو النجمة قال لي أنه علم فيتنام.. وأستطرد موضحاً أنه من أصل كمبودي لكنه ولد وعاش في فيتنام... ثم سكت قليلاً وقال.. لقد كنت في الفرقة الأجنبية في الجيش الفرنسي وانا الآن فرنسي ... 
قلت له هل دخلت حرب الهند الصينية.. فأجاب انه قضى سنوات الجيش في أفريقيا السوداء.. في السنغال ومالي وكل دول غرب أفريقيا... ثم سكت قليلا وعاد يقول وهو يهز راسه 
... كان شيئاً صعباً.. صعباً للغاية
سكت الرجل وهو يهز راسه وردد أكثر من مرة .. نعم كان شيئاً صعباً.. صعباً للغاية

في موقف الأتوبيس التالي قام الرجل الكمبودي الذي ولد في فيتنام واصبح الآن فرنسيا وقضى سنوات طويلة من حياته في افريقيا وسحب عربة بضائعه ناحية باب النزول
صعد زحام كبير 
وأحتل مكان الرجل أمرأة نحيفة متقدمة في العمر ذات ملامح شرقية وتغطي شعرها بإيشارب بني اللون 
وعندما تحركت العربة أشارت بيدها لأحد ما فجاءت إمرأة شابة أكثر نحافة منها لكنها تشبهها تماماً وترتدي نفس غطاء الرأس وجلست بجانبها على الكرسي العريض الذي إتسع لهما لنحافتهما الإثنين.. 
كانتا تتحدثان بلهجة مغربية ويتكلمان عن اللحاق بإتوبيس آخر يحملهما لضواحي أخرى بعيدة حيث حفل زفاف بعد عدة أيام وان عليهما أن يساعدا نساء العائلة في أمور كثيرة
بعد أن تحرك الأتوبيس عاد وتوقف وفتح الباب وصعدت إمرأة عجوزة ترتدي فستان باهت اللون وجاكت من الصوف الرمادي ويبدو عليها المرض والوهن وتجر ورائها حقيبة تسوق ضخمة على عجلاتها.. 
كانت تتحدث مع من يفسحون الطريق لها عند الباب وكان الجميع يلتفت ناحيتها... عندما أقتربت ناحيتي قمت لكي اخلي مكاني لها.. 
رددت.. لاإريد مكانك.. لايهمني مكانك.. كانت تقولها كما لوكانت تسبني. ثم اردفت.. على أية حال ان مكان واحدة مثلي هو المقابر.. ثم أضافت شيئا ما لم أفهمه باللهجة الجزائرية وسألتني بعدها.. على بالك؟ .. فلم أملك إلا أن أرد وانا مازلت واقفاً بتسليم علي ماقالته ولم أفهمه .. على بالي.. على بالي.. 
ومضت تتقدم في عمق الأتوبيس... 
كان الجميع من حولي في دهشة وجمود وصمت مؤدب من كلمات المرأة.. 
وهمست المرأة المغربية لإبنتها.. أن حالتها تزداد سوءا.. ويبدو أنها تعرفها ولم افهم هل تقصد سوء مرضها ام حالة المرأة العقلية... 
ثم إنطلقت المرأة المغربية وإبنتها يتحدثان عن تفاصيل الزواج المغربي القادم وعن الملابس الحريرية والأطعمة والحمام الذي ستذهب إليه العروس
عندما وصل الأتوبيس للنهاية وقمت 
إكتشفت أن المرأة كانت تقف على حيلها خلف الكرسي الذي كنت اجلس عليه وتستند بذراعها على الحافة فوق رأسي ..
إتجهت ناحية الباب وبحثت عن التليفون في جيبي.. 
كان كالعادة وكما اضعه دائما في حالة الصمت سايلانت... 
وكانت هناك عدة مكالمات ورسائل من زوجتي السابقة تسأل عن أشياء تخص الاولاد تبحث عني دون جدوى وأنني قد إنطلقت في جولاتي التي لايجدني فيها أحد...
قبل أن انزل للرصيف كانت المرأة تتكلم وحدها بصوت يسمعه الجميع
... هل انتم سعداء بالوصول؟ على آية حال سنذهب جميعاً للمقابر.....
كتبت رسالة لزوجتي السابقة عما تسأل عنه 
وأنه بخصوص جولاتي التي لايجدني فيها أحد فإنه علينا قضاء الوقت بشكل أو بآخر حتى يمضي

Aucun commentaire: